منذ بدأ الخليقة, كانت الحاجة الى الغذاء من الحاجات الأساسية للإنسان. فالغذاء هو المصدر الرئيسي للطاقة, وقد كان وجوده أو نقصه سببا أزليا للهجرات والحروب على مر التاريخ. ومنذ قديم الأزل لاحظ الإنسان اهمية الأسنان كوسيلة لتناول الطعام كما استخدمت مع اليدين في القتال والإمساك بالأدوات وقطع الحبال.. الخ.
وعلى الرغم من أن مشاكل الأسنان ظهرت منذ ذلك الوقت كذلك. الا ان المشاكل كانت مختلفة نوعا ما عن زمننا الحالي نظرا لاختلاف نمط وطبيعة المعيشة. فمن ملاحظة بقايا جماجم الأحافير القديمة وجد أن معدل تسوس الأسنان كان منخفضا جداً مقارنة بالإنسان الحديث. وذلك عائد الى اختلاف طبيعة الغذاء, حيث ان الغذاء كان يعتمد على العناصر الأساسية والحبوب الكاملة كما كان شبه خالٍ من السكريات المركبة. الا ان فحص الأسنان اظهر معدلات اعلى من الكسر والتآكل نظرا لاحتواء الطعام على مواد صلبة اكثر واستخدام الأسنان في القتال وامساك الأدوات وقطع الحبال وغيرها.
طب الأسنان قبل التاريخ:
حضارة وادي السند 7000 ق. م.
- في السادس من ابريل 2006, نشرت مجلة (Nature) عن اكتشاف مقبرة بمحض الصدفة في منطقة "مهرجارة" في باكستان تبلغ من العمر ما يقرب من 9000 عام.
- تعد الحضارة التي قامت في وادي السند من 5500 ق.م. الى 7000 ق.م. من اوائل الحضارات التي قامت على الزراعة والري في جنوب اسيا.
- الشيء العجيب في هذا الإكتشاف هو ان العلماء عثروا على آثار ثقوب في 11 من الأسنان تعود الى جماجم 4 نساء, 2 من الذكور, وثلاث جثث لم يستدل على جنسها في المقبرة التاريخية.
صورة لأحد الأسنان التي تم العثور عليها ونلاحظ دقة الحفر والمشابه لمعالجة التسوس في العصر الحالي |
- كما هو واضح بالصور فإن حواف الثقوب منتظمة بشكل لا يمكن ان ينتج عن النشاط البكتيري (التسوس).
- يترواح عمق الثقوب من 0.5 - 3.5 ملم وبقطر 1 - 3 ملم.
- يعتقد ان القدماء استخدموا القوس مع مثقاب برأس حجري صغير لصناعة الثقوب.
في محاولة لاعادة التجربة قام بها العلماء وجدوا ان عملية الحفر تمت في دقيقة واحدة او اقل. |
عملية الحفر صاحبها ارتفاع كبير في درجة الحرارة ناتج عن الاحتكاك مما صاحبه ألم شديد. |
- بعد الحفر قام البدائيون بسد الثقوب بمزيج من سوائل عضوية ذات لزوجة عاليه شبيهة بالأسفلت مع نباتات ذات خصائص تمنع نمو البكتيريا.
- يعتقد العلماء ان ظهور التسوس في المنطقة سببه تغير انماط الحياة من حياة الصيد والتقاط الطعام (hunter - gatherer) والتي تعتمد على البروتين كمصدر أساسي للغذاء, واستبدالها بالزراعة والاعتماد على الرز (الكاربوهيدرات) كمصدر الغذاء الأساسي.
- قام بالإكتشاف فريق دولي من العلماء تحت اشراف
Musée Guimet in Paris and
Université de Poitiersسلوفينيا 4500 ق.م.
- في شهر سبتمبر عام 2012 تم العثور على جزء من الفك السفلي الأيسر لشخص يعتقد انه عاش قبل ما يقرب من 6400 - 6655 سنة في قرية لونخ Lonche شمال جمهورية سلوفينيا في قارة اوروبا.
جزء من الفك الأثري الذي عثر عليه ويبدو واضحا فيه الناب والضواحك والضرسين الأول والثاني |
- يعتبر هذا الجزء من الفك من اقدم الآثار التي عثر عليها في منطقة شمال البحر الأدرياتيكي ويتواجد حاليا في متحف ترييستي في ايطاليا.
- ما أثار دهشة العلماء هو وجود حشوة مصنوعة من الشمع العسلي في الناب. وباستخدام اجهزة وتقنيات مثل (IR), (SEM), (AMS), (Micro-CT) وجد العلماء ان الحشو تم خلال حياة الشخص صاحب الفك.
- تظهر الفحوصات ان الخلل كان ناتجا عن التآكل وليس التسوس, وذلك بسبب طبيعة الأطعمة الخشنة المتوفرة في ذلك الوقت. كما وجد شق طولي في طبقتي المينا والعاج تم ملؤه ايضا بالشمع.
- الغرض من الحشو كان تخفيف الألم الناتج من المضغ على السن المكسور وعزل الجزء المكشوف والحساس من طبقة العاج.
- شمع العسل كان اختيارا ذكيا بحكم أنه مضاد جيد للتآكل ويتميز بالثبات الكيميائي والعزل الحراري بالإضافة الى سهولة استخدامه كمادة للحشو.
جانب من الفحوصات التي تمت على الناب المحشو بالشمع |
حضارة مصر الفرعونية 3100 - 332 ق. م.
كان المصريون الفراعنة يعتقدون ان الإله "بتاح" هو الإله المسؤول عن الأسنان |
- وصف هيرودوتس المؤرخ الإغريقي خلال زيارته لمصر في 450 ق.م. مدى التقدم الذي وصلوا اليه في الطب. حتى ان كل طبيب كان يختص بعلاج مرض معين. يقول هيرودوت: "كل البلد مليء بالأطباء, بعضهم للعين, بعضهم للأسنان, بعضهم للبطن, والبعض للأمراض غير الظاهرة".
- للأسف فإن هيرودوت لم يذكر تفاصيل اكثر عن اطباء وطرق علاج الأسنان الا ان ما وصل الينا سليما من اوراق البردى يوضح مدى دراية المصريين بطب الأسنان.
- احد اوراق البردى هي رسالة من جندي يصف حالة زميله الذي نخرت "الدودة" اسنانه. ويعود الاعتقاد بان الدود هو السبب في تسوس الأسنان الى اقدم وثيقة تتعلق بالأسنان تعود الى عصر الدولة السومرية في 5000 ق.م. كما وجد نفس الاعتقاد في الهند والصين واليابان وحتى في كتابات هومر واستمر الاعتقاد حتى 1300 بعد الميلاد في كتابات Guy de Chauliac.
منحوتة اثرية تظهر دودة الأسنان على شكل شيطان والمعركة القائمة للتخلص منها |
- تعد "بردية ايبرس" التي تعود للفتره ما بين 1550 - 1700 ق.م. و"بردية ادوين سميث" التي تعود لسنة 1600 ق.م. من اهم البرديات الطبية التي لها علاقة بطب الأسنان.
- بردية ايبرس: من اهم البرديات الطبية. وبالاضافة للعديد من الأمراض فقد ذكرت البردية 4 وصفات لعلاج تخلخل الأسنان, ووصفتين لعلاج آلام الأسنان, ووصفة لعلاج خراجات الأسنان تتكون من (الكمون والحنظل واللبّان), و4 تركيبات للمضمضة. كما وجدت وصفة علاجية لمعالجة الاسقربوط. scurvy
بردية ايبرس |
- بردية ادوين سميث: على الرغم من ان البردية خاصة بالجراحة وليس بها معلومات عن امراض الأسنان الا انها تحتوي على طريقة علاج الفك المخلوع (خروج الفك من مكانه). المفاجأه هي ان الطريقة المذكورة هي نفس الطريقة المستخدمة في الوقت الحالي.
- على الرغم من وجود القليل من حالات التسوس في المومياوات المحفوظة الا ان امراض اللثة كانت ظاهرة بشكل واضح من خلال تآكل البنية العظمية للفك. كما لوحظ ان التسوس كان ظاهرا اكثر في مومياوات افراد الطبقة الملكية بسبب كثرة المأكولات السكرية لأصحاب المكانة العالية والتي لم تكن متوفرة للشعب. ومع ذلك نجد في البرديات وصفة تعتبر نوعا من الحشو هو عبارة عن خليط من الطمي النوبي ومرهم اخضر غير معروف يخلطان سويا ويوضعان داخل السن.
- الا انه لوحظ ايضا وجود حالات من خرّاجات الأسنان نتجت عن طبيعة الأكل الخشن المكون من الحبوب غير المطحونة جيدا مما ادى الى تآكل الأسنان بشكل سريع وموت الأنسجة اللبية (العصب).
- ومع كثرة مشاكل اللثة والتي تؤدي لتخلخل الأسنان ومن ثم سقوطها ظهرت الحاجة للتركيبات التعويضية لتعالج نقص الأسنان. ففي يناير 2003 عثر علماء الآثار في منطقة جبل الرملة بالقرب من أسوان على سن منحوت من الصدف يعتقد انه كان مستخدما في زراعة الأسنان.
السن المنحوت من الصدف من عدة زوايا |
- واستخدم المصريون ايضا الأسنان المخلوعة في صناعة الجسور التعويضية للأسنان وقاموا بربطها بأسلاك الذهب بعد غرسها في اللثة.
صورة لفك اثري يحتوي على جسر بالغ الإتقان عن طريق ربط الأسنان باسلاك الذهب |
لاحظ مكان الثقوب المشار اليها بالأسهم بجوار خط الكسر |
- تظهر البرديات ايضا ان اطباء الأسنان كان لديهم القاب ومراتب لأطباء الأسنان كالموجودة حاليا (اخصائي, استشاري) وكانت تسمى كالتالي
* الشخص الذي يعتني بالأسنان.
* الشخص الذي يعالج الأسنان
* طبيب أسنان أول
* طبيب اسنان أول للبيت الملكي
- كان اهتمام المصريين باطباء الأسنان وتقديرهم عظيما لدرجة ان قبر "هسي را" وهو اول من حصل على لقب طبيب اسنان في التاريخ المعروف والذي عاش سنة 2600 ق.م. كان قريبا من قبر الملك وقد كتب على قبره: "أعظم من يعالج الأسنان وأعظم الأطباء".
صورة للمنحوت على جدار مقبرة هسي را |
- كما تم ايضا اكتشاف 3 مقابر لأطباء اسنان في ظل هرم سقارة والتي تعتبر اكثر المقابر خصوصية للعائلة الملكية وذلك يوضح المكانة العظيمة التي كان يملكها طبيب الاسنان في ذلك الوقت.
الرومان والإغريق:
- على الضفة المقابلة من البحر المتوسط لم يكن الرومان اقل اهتماما بأسنانهم من المصريين.
ابُقراط |
- ففي 400 - 500 ق.م. ذكر كل من ابقراط وارسطو وسائل لتقوية الأسنان, كما ذكرا ترتيب الأسنان ومواعيد ظهورها في الفم. وتطرقا ايضا الى طرق علاج التسوس والتهابات اللثة وطرق خلع الأسنان باستخدام الكلابات واستخدام الأسلاك لتثبيت الأسنان المتخلخلة وكسور الفكين.
ارسطو |
- كذلك فان سكريبونيوس لارغوس الطبيب الخاص للامبراطور كلاوديوس كان يصف علاجا لآلام الأسنان هو عبارة عن استخدام ابخرة من حرق بذور نبات (البنج) واستنشاقها ثم غسل الفم بالماء الدافيء لطرد "الديدان".
- هذا وقد وجدت لديهم كلابات للخلع, وقاموا بصناعة اطقم للأسنان من العاج والعظم والخشب. كما عُرف عن الاتروسكان 700 ق.م. الذين سبقوا الرومان في شمال ايطاليا أنهم صنعوا جسورا للأسنان باستخدام عظام الثيران واسلاك الذهب لم ير التاريخ مثلها حتى ان المؤرخ جيمس وينبراندت وصفهم بـ"الصفوة في فن العناية بالأسنان في العصور القديمة"
جسر مثبت بالذهب لتثبيت الثنيتين (الأسنان في الوسط - لاحظ عدم وجود جذور متصلة بالعظم للأسنان التي في الوسط) |
- ووجدت وصفات منذ ذلك الوقت لمعجون استخدم لتنظيف الأسنان مكون من العظم وقشر البيض وحجر الخَفاف والمرّة. ووجدت كتابات عن الإغريق بانهم نصحوا باستخدام النعناع لتنظيف الأسنان, الا انه لا يوجد اي ذكر لفرشاة الأسنان.
حضارة المايا 2000 ق.م. - 900 ب.م.
اثار حضارة المايا |
- ظهر اهتمام شعب المايا بالأسنان في وقت مبكر لكنه لم يكن بدافع صحي بل بدافع ديني وشعائري. كان شعب المايا يقومون بوضع احجار منحوتة في تجاويف مصنوعة في الأسنان الأمامية وهي حية.
جمجمة محفوظة في متحف مكسيكو سيتي وتظهر فيها الأسنان المزينة باأحجار |
مجموعة من الأسنان الأثرية المزينة باليشب (حجر اخضر) |
- من الممكن ان شعب المايا استخدم انواعا من الأعشاب للتخدير الموضعي قبل الحفر, وبالنسبة لأحجار الزينة قد استخدموا أحجارا مثل التركواز والكيشمك وحجر الدم وحجر الحية والكوارتز, يتم تثبيتها في التجاويف بالأسنان باستخدام مواد عضوية مختلفة.
- كانت هذه العادة منتشرة لدرجة انه توجد جماجم كاملة في متحف مكسيكو سيتي وقد زينت اسنانها بالأحجار.
بقايا جمجمة لشعب المايا في متحف مكسيكو سيتي |
حضارات اخرى
- في شريعة حمورابي الذي حكم بابل بين عامي 1792 - 1750 ق.م. والتي تعتبر اقدم القوانين الموضوعة ذُكِر قانونان يُعاقب الفاعل فيهما بخلع اسنانه, كما وجدت علاجات للأسنان واسعارها.
نحت حجري للملك حمورابي |
- ويذكر ان الصينيين 2700 ق.م. استخدموا العلاج باستخدام الإبر الصينية لتسكين آلام الأسنان ووجدت لديهم وصفات لمعاجين وعلاجات للأسنان. كما ان هناك ادلة ان الصينيين استخدموا الحشوات المعدنية لحشو الأسنان منذ سنة 200 ق.م.
- ايضا ظهرت اثار تثبت ان الفينيقيين في شرق المتوسط (لبنان) استخدموا اسنان الحيوانات لتعويض الأسنان المخلوعة بعد تثبيتها بالخيوط.
- في الموضوع القادم بإذن الله سيكون الحديث عن دور العرب والمسلمين في تطور طب الأسنان والتطورات التي حدثت في اوروبا في عصر النهضة والإكثشافات الحديثة في طب الأسنان.
لأسئلتكم واقتراحاتكم شاركوا بتعليقاتكم بالأسفل أو عبر تويتر من خلال حساب
موضوع جميل وشيق
ردحذفشيء عجيب سبحان الله !
ردحذفتمنيت أني دكتورة أسنان ياحظك:p ماشاء الله.
شكرا على تعليقاتكم :)
ردحذففي قمة الروعة
ردحذفطبيبة اسنان تحت اﻹنشاء
اعطوني اشهر اطباء الاسنان في القديم
ردحذفاعطوني اشهر اطباء الاسنان في القديم
ردحذفالعناية
ردحذفشركة مكافحة الرمة فى العين
شركة تنظيف كنب بالبخار بالفجيرة
تنظيف كنب بالبخار بالفجيرة